مجتمع
18 سنة بعد تفجيرات 16 ماي.. ماذا تغير؟
16/05/2021 - 11:11
حليمة عامرمرت 18 سنة على أحداث 16 ماي الإرهابية، الحدث التاريخي الذي هز خمسة مواقع في عمق الدار البيضاء، وأودى بحياة 45 شخصا ضمنهم 12 انتحاريا، وكان له وقع كبير على الرأي العام المغربي، ما جعل المغرب يغير سياساته الأمنية تجاه التطرف والتشدد. فماذا تغير منذ سنة 2003 إلى اليوم؟
بروز الوعي بخطر الإرهاب
بعد أحداث 16 ماي، بدأ المجتمع المدني يعمل على التحسيس بخطورة هذه الأعمال المتطرفة، التي تستقطب الشباب من أجل التغرير بهم وحثهم على الالتحاق بالبؤر الإرهابية، حيث تأسست بعد هذه الواقعة الدامية عدة هيئات تنشط ضد الإرهاب.
سعال البكدوري الخمال، ناشطة في المجتمع المدني ضد التطرف والإرهاب ورئيسة الجمعية المغربية لضحايا الإرهاب، انقلبت حياتها رأسا على عقب بعد فقدانها لزوجها وابنها في الهجمات الإرهابية التي ضربت الدار البيضاء في 16 ماي 2003.
انطلقت "سعاد" من هذه الأحداث التي عاشتها وحاولت تغيير مجرى الأحداث في السنوات المقبلة، بعدما أسست الجمعية المغربية لضحايا الإرهاب وحاولت القيام بحملات وأنشطة توعوية، حتى لا تتذوق أسر مغربية أخرى مرارة الفقدان الذي عاشته جراء هذه العمليات الإرهابية.
وتقول الخمال، في تصريح لـ SNRTnews إن "الذي تغير بعد أحداث 16ماي هو ذلك الوعي الذي برز في ما يتعلق بخطورة التطرف والإرهاب. حيث بدأنا نسمع من عدة منابر إعلامية على أنه هناك كتابات حول الموضوع بعد انخراط عدد كبير من المثقفين للتصدي للظاهرة، كما أن السلطات الأمنية تجندت بشكل كبير لإيقاف وتفكيك خلايا إرهابية".
وترى الفاعلة الجمعوية أنه قبل أحداث 16 ماي الإرهابية لم يكن هناك وعي بخطورة الإرهاب في المغرب، ولم تكن تسمع عن استهداف المملكة من قبل هذه الآفة الخطيرة، ما عدا بعض المقالات الصحفية، مبرزة أنه رغم أن هذا الحدث كان جد أليم بالنسبة للأسر وعائلات الضحايا، بعدما تغيرت حياتهم، إلا أنه ساهم في تغيير مجرى عدد من الأحداث.
يقظة الأجهزة الأمنية
"إحساسنا نحن كجمعية، أن التغيير الذي حدث بعد 16 ماي أصبح ملموسا، ويمكننا أن نراه بشكل مستمر، خصوصا وأن السلطات الأمنية التزمت بالحذر القوي جدا، خلال هذه الـ 18 سنة، من خلال عمليات اليقظة التي حفظت أرواح العديد من المغاربة"، تقول الخمال.
من جهته، يتفق خالد الشيات، أستاذ بكلية العلوم القانونية بوجدة، مع رأي سعاد البكدوري الخمال، ويرى أن مسار تطور المواكبة الأمنية للعمليات الإرهابية بعد أحداث 2003، بصفة عامة، أخذ اتجاهين؛ اتجاه وطني-داخلي، من خلاله يتم العمل على التصدي للعمليات الإرهابية وتنفيذها، حيث تم تفكيك العشرات من الخلايا الإرهابية، بعدما اتخذ المغرب عمليات استباقية كبيرة جدا على المستوى الأمني والاستخباراتي الداخلي.
وبخصوص الاتجاه الثاني، المتعلق بمستوى التعاون الدولي، يقول الشيات إن المغرب أصبح عبارة عن مرجع للتصدي للإهاب، خاصة في أوروبا وفي الولايات المتحدة الأمريكية، واتضح ذلك خلال مجموعة من المناسبات، التي شهدت إشادة كبيرة حول تعامل المغرب مع هذا النوع من الظواهر الأمنية، سواء من قبل الأجهزة الأوروبية أو من خلال تكريم شخصيات أمنية من طرف الدول، من بينها المدير العام للأمن الوطني، عبد اللطيف الحموشي.
رفع درجة التأهب
أوضح المتحدث ذاته أن السياسة المعتمدة من قبل المغرب مكلفة جدا خصوصا وأنه هناك مجموعات منظمة على الصعيد الدولي مثل "داعش"، ما يستدعي قدرة كبيرة على التتبع الواقعي والمباشر لهؤلاء الأشخاص، الذين يقومون بالعمليات الإرهابية على مستوى المغرب.
ويشدد الشيات على أن التحول الذي حصل، بعد أحداث 16 ماي 2003، كان كبيرا جدا وجميع السياسات التي اتخذها المغرب لم تكد اعتباطيا، حيث قامت الأجهزة الأمنية بعمل مؤسساتي، بطريقة احترافية وجيدة، كي لا تجد الحركات الإرهابية مجالا لتنفيذ عمليا أخرى.
أما عن إبراهيم الصافي، باحث في العلوم السياسية وقضايا الإرهاب، فقد أوضح أنه بعد مرور 18 سنة على الأحداث الإرهابية بمدينة الدار البيضاء في 16 ماي 2003، بلور المغرب استجابة فعالة متعددة الأبعاد في مكافحة التطرف والإرهاب، تتسم بالنجاعة في الإداء والاستباقية في التصدي للتهديدات، حيث يتمثل البعد الأول في تطوير المنظومة القانونية في مواجهة الجريمة الإرهابية.
ويتميز البعد الثاني، حسب الصافي، بإعادة الإدماج وفك الارتباط داخل المؤسسات السجنية للمعتقلين في قضايا الإرهاب، وذلك من خلال مبادرة مغربية خالصة وفريدة في العالم وهي مبادرة برنامج "مصالحة"، والتي تهدف إلى مصالحة السجين مع ذاته ودينه ومجتمعه، حيث يتيح هذا البرنامج الذي انطلق سنة 2017 للسجناء الاستفادة بكيفية اختيارية من فعاليات التأهيل الفكري والديني والنفسي، والتأهيل الحقوقي والقانوني المواكبة السوسيو إقتصادي وبناء مشاريع الحياة ما بعد السجن، بالإضافة للعديد من الأنشطة التطبيقية، والتي غالبا ما خولتهم الاستفادة من العفو الملكي في مناسبات عدة.
تجفيف منابع التطرف
أبرز الباحث أن البعد الثالث يتمثل في تجفيف منابع التطرف سواء من خلال تأمين الأمن الروحي للمغاربة وذلك بإعادة تنظيم الحقل الديني والحد من تعدد التأويلات للنصوص الدينية والفتاوى الفقهية وضبط الخطب الدينية والمساجد والقائمين عليها. بالإضافة إلى محاربة الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية التي توظفها الجماعات المتطرفة في تغذية خطاب التطرف والعنف والاستقطاب في هذه الأوساط.
ويرى الصافي أنه رغم هذه الإنجازات والجهود المبذولة في التصدي لظاهرة الإرهاب تبقى التهديدات قائمة بل والأكثر حدة في ظل تزايد منسوب تغدية التطرف في العالم، ففي ظل جائحة كوفيد19 والإغلاق الشامل تمكن المغرب من تفكيك ما يزيد عن 8 خلايا خلال سنة 2020، الأمر الذي يبرهن على أن الظاهرة وتهديداتها لا زالت مستمرة.
لذلك يشدد المتحدث ذاته على "تطوير منظومة اجتماعية منسجمة لنبذ العنف وتفكيك خطاب التطرف، وذلك من خلال تعزيز البحث العلمي في هذا المجال على غرار ما نتابعه في عديد الدول الغربية، لأن ظاهرة الإرهاب هي في المقام الأول هي ظاهرة تنطلق من الفكر المتطرف، وهذا الفكر لا يمكن معاقبته أو سجنه، لكن يمكن مواجهته بفكر عقلاني تنتجه مراكز بحثية متخصصة، بالإضافة إلى تأسيس مركز وطني متخصص في إعادة الإدماج والفك الارتباط بالتطرف والإرهاب لتحصين المجتمع من هذا التهديد على الأمد البعيد".
مقالات ذات صلة
عالم
سياسة
سياسة