مجتمع
البيضاويون يعانون "التكرْفِيصْ" بسبب "لينكولن"
04/01/2021 - 12:39
صلاح الكومريبعد انهيار جزء من فندق "لينكولن"، اختلت حركة النقل والمواصلات في المدينة، وارتفعت حدة الأزمة بسبب اضطراب في الخط الأول لـ"طرامواي"، الذي صار وسيلة النقل الأكثر استعمالا، بحكم أنه يربط بين أحياء شعبية ذات كثافة سكانية عالية بوسط المدينة، القلب الناضب للعاصمة الاقتصادية، مرورا بشارع محمد الخامس، حيث انهار جزء من الفندق.
"صباح الجحيم"
الساعة تشير إلى السابعة صباحا في محطة "طرامواي" النهاية بسيدي مومن. الظلام ما زال يرخي ستاره. عشرات الركاب، منهم طلبة، وموظفون، وعمال؛ رجالا ونساء، ينتظرون مجيء "الطرام" للتوجه إلى مقاصدهم. يرتدون ملابس ثقيلة درءا لبرد صباحي جارح يلفح الخدود ويهري العظام، وكمامات واقية من "الفيروسات"، وقلة يرتدون طواق صوفية سوداء، فيبدون كأنهم منقبين لا تظهر منهم إلا أعين جاحظة يلمع بياضها ترقبا لمجيء القاطرة.
العمال المكلفون بحراسة المحطة لبسوا ثوب "البرّاح" ليخبروا الجميع، قائلين: "الطرام حدُّو محطة ابن تاشفين.. الطريق مقطُوعة بسبب انهيار فندق لينكولن في شارع محمد الخامس".
وبسبب هذا الاضطراب في حركة سير "الطرامواي"، لجأ كثيرون، على مضض، إلى استعمال الحافلات، وتلك حكاية أخرى.
في الجهة المقابلة، وفي التوقيت ذاته، في محطة النهاية لحافلات خط رقم "33" في حي أناسي، صف طويل يزيد طوله عن 200 متر لركاب يترقبون، بدورهم، مجيء الحافلة. البعض لا يطيق صبرا في هاته الظروف، فيطلق للسانه عنان الاحتجاج والسب والقذف أيضا، "واشْ حْنا كُل عام نبقاوْ على هاد الحالة.. لا طرام، لا طوبسات.. لا طاكسيات.. حْشُومة هاد الشي.."، يقول أحد المنتظرين بعدما ترك مكانه في الصف، متوجها بالاحتجاج إلى عمال شركة "ألزا"، المفوض لها، مؤقتا، تدبير قطاع النقل الحضري في العاصمة الاقتصادية.
تدافع.. والغلبة للأقوى
وصل "الطرام" أخيرا، يدلف متثاقلا لمحطة النهاية "سيدي مومن". وهنا تبدأ أولى خطوات رحلة المعاناة والجحيم اليومي للركاب. الجميع يتأهب لصعود القاطرة، وفي هذه اللحظة بالذات، تغيب قاعدة الأسبقية لكبار السن أو الحوامل أو ذوي الاحتياجات الخاصة، ويطغى الأنا الجشع على الكل، (مكِينْ غِيرْ الدفيعْ).
يدلف الجميع إلى القاطرة، أزيد من 100 راكب، يتضاعف العدد لما فوق 400 في المحطات الموالية، مع العلم أن إدارة الشركة ترفع شعار عدم تجاوز 300 راكب في كل رحلة تفعيلا لبروتوكولات الوقاية من فيروس "كورونا".
بعد الوصول إلى محطة "ابن تاشفين" في شارع عقبة بن نافع، حيث النهاية المؤقتة لخط "الطرام" الأول، يعيش الركاب ثاني مراحل المعاناة والجحيم، إذ يتوجهون حشودا غفيرة إلى محطة "المداكرة"، على بعد حوالي 100 متر في شارع "الحزام الكبير"، لكي يستقلوا "طرام" الخط الثاني، الآتي من سيدي البرنوصي في اتجاه عين الذئاب، مرورا بمحطة "الفداء"، في شارع "الفداء"، حيث على الركاب ترك القاطرة لكي يستقلوا، مرة ثالثة، "الطرام" الآتي من ليساسفة من محطة "عبد المومن" في اتجاه محطة "الأمم المتحدة"، وسط المدينة.
الركاب على أعصابهم
في محطة "المداكرة"، والظلام ما زال يرخي ستره على الصباح البارد، يبدو المكان كأنه تفجّر فولد جيشا عرمرما. عشرات الركاب ينتظرون بصبر له حدود. الكل صامت متقوقع في ملابسه الثقيلة، فقط زعيق السيارات والشاحنات والدراجات النارية يصيب بالصمم.
وما إن ينفذ صبر أحد ما من عقاله، ويبدأ في الصياح والاحتجاج على عمال المحطة، بسبب هذا الاضطراب في النقل، حتى تتحول المحطة كلها إلى ساحة هرج ومرج. الجميع يفور غضبا ويثور محتجا، فتيات، رجال، نساء، "ماشِي معقُول هادْ الشي.. حشُومة عليهم يديرو لينا هاد الحالة، مالنا حيوانات..."، تقول سيدة في الخمسينيات من عمرها، يبدو أنها موظفة دأبت على احترام مواقيت عملها.
ترد عليها فتاة في العشرينيات، ترتدي حذاء كعب عال، وسروال جينز ضيق، قائلة: "هاد الشي catastrophique". وبين الفينة والأخرى يعلو صوت أنثوي من مكبر الصوت الخاص بالمحطة، ليعلم الركاب بالتدابير المتخذة "مؤقتا" في انتظار استئناف حركة السير بين محطتي "الشهداء" في الحي المحمدي و"السوق المركزي" وسط المدينة، وتختم المتحدثة خطابها قائلة: "شكرا على تفهمكم".
وأنفاس مختنقة
ما إن تقف قاطرة الترامواي في المحطة، آتية من سيدي البرنوصي، حتى يشهر "جيش" الركاب "المحتجين" ما في جعبتهم من قوى نائمة لضمان مكان وسط زحام خانق للأنفاس، تلتصق الأجساد على بعضها، كأنها ملتحمة بقوة، لا يجد الركاب ولو مساحة شبر صغير للحركة أو لتعديل وقوفهم حفاظا على توازنهم، الكل مضغوط ضغطا، من الوراء والأمام والجانبين، الأنفاس اختلطت، وبعض الروائح "الغازية" الكريهة تزكم الأنفاس وتصيب بالدوار، وترتفع درجة الحرارة داخل القاطرة، فترسم ضبابا على الزجاج الواقي يحجب الرؤية. كثيرون تراهم يتصببون عرقا، يصيح أحدهم قائلا: "هذا راه السخُون دْيال الحمّام ماشِي طرام...".
في هذا الجو "الفوضوي" الخانق، المسيل للدموع، يعلو الحديث المتوتر والنقاش الساخن بين الركاب حول عدم احترام شركة "طرامواي" لزبنائها رغم الاحترازات الوقائية الواجب اتباعها في هذه الظروف. كثيرون يلقون باللوم على شركة "الطرامواي". البعض يلقي باللوم على نظام النقل والمواصلات العامة، وقلة يرون الظرفية مناسبة للعن وسب المسؤولين المنتخبين، ومن يصفونهم بـ"الكذابين". هكذا تبدو القاطرة أشبه بعلبة سردين، أو قنينة مشروب غازي مضغوطة قابلة للانفجار في أي لحظة.
وتستمر المعاناة...
انقشع ظلام الصباح، ورمت الشمس الدافئة أولى خيوطها الذهبية. إذ ذاك، تصل القاطرة إلى محطة "أنوال"، في شارع "أنوال"، متكدسة أكثر من طاقتها الاستيعابية. تفتح أبوابها، وتفرغ ما في جوفها. تلفظ مئات الركاب يتدافعون للانعتاق من اختناق غالبا ما يصيب البعض بالدوار أو فقدان الوعي. يتنفسون الصعداء.
يستنشقون هواء صباحيا يعيد إليهم روحهم بعدما أوشكت أن تنسّل منهم داخل القاطرة. ينتشر الجميع مهرولا، متسارعا في أرض الله، يبدون كأنهم جيش نمل نشيط الحركة. الكل على عجلة من أمره. الكل يخشى الوصول متأخرا لمقصده. الكل هائم في بحره يسبح ضد التيار ويقاوم للنجاة.
يتوجه أكثرية الركاب إلى محطة "عبد المومن"، في شارع عبد المومن، على بعد حوالي 300 متر من محطة "أنوال"، وهناك، تتكرر معاناتهم، من جديد، للمرة الثالثة في الصباح. ينتظرون قاطرة تأتي، هي الأخرى، مكتظة من "ليساسفة" في اتجاه "الأمم المتحدة" وسط المدينة، حيث الفرج ونهاية العذاب الصباحي، وحيث ينتشر الجميع قاصدين مقرات عملهم، منهكين، متعبين. الكل خارت قواه بسبب هذا الماراثون الصباحي، في انتظار ماراثون جديد في رحلة العودة إلى البيوت في المساء، وتلك حكاية أخرى لعذاب نفسي وجسدي مع مواصلات متوحشة في مدينة تأكل أبناءها.
"كازا طرامواي" تنتظر قرار السلطات
لم يمض أسبوع واحد على احتفالها بالذكرى الثامنة لإطلاق الخط الأول لـ"ترامواي" الدار البيضاء، في 8 دجنبر 2020، حتى وجدت شركة "كازا طرامواي" نفسها تعيش ضغطا رهيبا بسبب انهيار جزء من الفندق، عجزت معه عن تنظيم وتوفير قاطرات كافية لنقل الركاب في ظل التغيير "الاضطراري" لبرنامج مواصلاتها اليومي.
وبعد أن اعتذرت لزبنائها عن الاضطراب الحاصل في خطوطها، قائلة: "نعتذر عن هذا الاضطراب الخارج عن إرادتنا ونشكركم على تفهمكم"، أشارت شركة "كازا طرامواي"، في حسابها على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، إلى أنها في انتظار الضوء الأخضر من السلطات المحلية لاستئناف نشاط مواصلاتها بعد حل مشكل فندق لنكولن".
وأضافت الشركة، مخاطبة ركاب مركباتها، أنه من أجل الذهاب إلى وسط المدينة عليهم استعمال محطة المواصلات "المداكرة"، وبعد الوصول إلى محطة "أنوال"، عليهم استعمال محطة "عبد المومن"، مشيرة في بلاغ إلى أنه "نظرا لأن موقع فندق ليكولن، المجاور لمحطة السوق المركزي، لا يزال غير مؤمن بشكل كاف، فإن حركة السير على الخط 1 لا تزال متوقفة على مستوى المركز"، مضيفة: "سيتم الحفاظ على الخدمات الجزئية الموجودة منذ يوم الجمعة".
فوضى النقل.. الروتين اليومي لـ"كازاوا"
لا ينكر إلا جاحد فضل "الطرامواي" في تخفيفه، ولو قليلا، من عبء النقل والمواصلات على البيضاويين في السنوات الأخيرة، خاصة بعد إطلاق الخط الثاني بين "سيدي البرنوصي" و"عين الذئاب". لكن، في المقابل، ما زال كثيرون يشتكون من ضعف خدماته، خاصة في ساعات الذروة، حين يضطر الركاب، مكرهين، إلى الازدحام في القاطرات للتوجه إلى مقرات عملهم أو العودة لبيوتهم.
البيضاويون يعيشون فوضى النقل والمواصلات منذ عقود. الأمر ليس جديدا عليهم، فقد تعودوا على هذه "الفوضى المنظمة"، وأصبحت جزءا من يومياتهم، بحيث أن كل مستعملي وسائل النقل، سواء الطرامواي أو الحافلات أو سيارات الأجرة، أو حتى مستعملي وسائل نقلهم الخاصة، ضبطوا ساعات روتينهم اليومي على هذا الإيقاع، وتعايشوا مع الاختناق في الطرقات، يتقبلونه على مضض.
لكن في المقابل، يصعب عليهم التأقلم مع فوضى إضافية لا تطاق، تحدث بين الفينة والأخرى، وتخرجهم عن فوضاهم المألوفة، خاصة في الأعياد والمناسبات والعطل، وأيضا حين يحدث مشكل ما يتسبب في عرقلة السير، على غرار انهيار جزء من فندق لينكولن.
مقالات ذات صلة
مجتمع
مجتمع
مجتمع