مجتمع
التسول.. شهادات صادمة في المدينة "الوحش"
15/11/2020 - 13:36
مريم الجابري"كنت أعيش في بيتي بشيشاوة، حيث كنت أملك محلات تجارية، للبيع والشراء. رزقت بثلات بنات، وقمت بتفويت جميع ممتلكاتي إليهن، خوفا من أن ينازعهن فيها إخواني، لكن يبدو أنني ارتكبت خطأ قاتلا. وعندما نشب خلاف بيني وبين زوجتي، انحزن إليها وطردنني، كي أجد نفسي عرضة للشارع"، يقول "مبارك".
مسح مبارك الذي يوجد في منتصف عقده الثامن، بكم جلبابه دمعة، طفرت من عينه، وتوقف عن الحديث برهة، قبل أن يضيف في حديث لـ"SNRTnews": "لم أتقبل نظرة الناس والأقارب لي، وشفقتهم علي، فهاجرت إلى الدار البيضاء، هذه المدينة الكبيرة، التي لا يعرفني فيها أحد، حيث أضحيت متسولا في شوارعها وأزقتها".
الشيخ "مبارك" الذي يرابض بوسط العاصمة الاقتصادية، التي تعج شوارعها بالحركة، ليس سوى واحدا من عشرات المتسولين الذين يتجولون، في شوارعها، علهم يلفتون نظر المارة كي ينقدوهم ببعض الدراهم، خاصة في هذه الظرفية التي دفعت فيها الجائحة الكثير من الناس، إلى الانضمام لجيوش المتسولين الذين يلتقطون رزقهم في الشارع.
يحمل متسولون معهم عادة حقائب وأغطية، ولوحات من الورق المقوى، ويحرصون عادة على الجلوس عند أرصفة الطرقات مع وضع علب من البلاستيك أمامهم، مكتوب عليها عبارات مثل "أنا جائع"، "الرجاء المساعدة"،"لاجئ سوري".
حالات تدمع لها العين دما
في شارع الزرقطوني، تجلس "حورية" الستينية، على أغطية متسخة مرتدية ملابس رثة، فقدت جميع أسنانها، تتحدث بصوت خفيض، متعب، لتقول في عبارة ضمنتها كل الألم الذي يسكنها: "كنت بنت الفشوش"!
يجول ببصرها في الأفق البعيد قبل أن تضيف، في حديثها للموقع: "لا حال يدوم على ما كان عليه، درست في مدارس خاصة وسافرت إلى خارج المغرب، عندما كان والدي على قيد الحياة، لكن بعد رحيلهما أخرجني أخي إلى الشارع، واتهمني بأنني مختلة عقليا، ليسطو على جميع الممتلكات، ومن ذاك الحين وأنا أتسول في أزقة هذه المدينة، التي تعرضت فيها لأبشع أنواع الاغتصاب والاعتداء، والنصب والسرقة".
من جهتها، تقول "رقية"، 23 سنة، من ضواحي مراكش رفقة طفل صغير، " كنت أعرف شابا بدوارنا، وقد وعدني بالزواج، وبعد علاقة معه، اكتشفت أنني حامل، وعرفت أمي بالأمر، لكنها دفعتني للهروب، خوفا من أن يتم قتلي من طرف والدي وإخواني، أو تزويجي برجل يكبرني، بعشرين سنة، حينئذ ركبت الحافلة التي توجهت بي إلى هنا".
تحت عتبة عمارة وسط شارع محمد الخامس بالمدينة العملاقة، تنظر للمارة بحرقة وندم شديدين، وتضيف "لولا أنني لم أثق بذاك الملعون لما كنت على ما أنا عليه اليوم. امتهنت مهن الليل مع عصابة، اعتدت علي، وبعد ذلك رموا بي لوحوش هذه المدينة. أفكر مرارا في الانتحار، فأنا لم أكن أتوقع أن أصل إلى هذه الحالة، كان همي الوحيد الزواج بشاب يحبني وتأسيس عشنا".
أسباب نفسية واجتماعية
تقول سعاد بنسودة، طبيبة نفسية، في تصريح لـ"SNRTnews" "إن التسول في المجتمع المغربي، ناتج عن عدة عوامل، أبرزها: غياب قيم الكرامة، واحترام الذات. فالمتسول إما يتم استغلاله من طرف المافيات التي تتاجر في الأطفال والنساء وبعض الرجال، ويمكن كذلك أن يكون المتسول ضحية لطفولته، من إساءة وعدم استقرار وما ينتج عن التفكك الأسري، أو وفاة الوالدين، مما يفقده أمل العيش مثل الأخرين، وبالتالي يكون مصيره الشارع".
وتضيف الأخصائية النفسانية "هناك حالات ضحية للبطالة والفقر، خصوصا هذه السنة، نظرا للأزمة الاقتصادية، ناهيك عن الفتيات اللائي ينحدرن من مدن وقرى، بعيدة عن الدار البيضاء، اللواتي خرجن من بيوتهم، جراء غلطة وسمها المجتمع بالعار، فهربن خوفا من القتل أو الزواج ".
وأشارت المتحدثة نفسها "إنه لم يثبت تقديم متسولين أمام القضاء لحدود اليوم، وأظن أن توقيفهم ومعاقبتهم أصبح أمرا مستحيلا، خصوصا بعد التزايد المهول في عددهم، لذلك على القانون أن يكون صارما مع المتسولين الذين يستغلون الأطفال ويتاجرون بهم، بتطبيق فصول قانون تجريم التسول.
وتوصي بنسودة، بضرورة "الحفاظ على القيم الإنسانية ونقلها للآخرين، والتي تتمثل أهمها في احترام الشخص، سواء كان بالغا أو طفلا، لكيلا يتم التنقيص من أي واحد متسول، مع العلم أنه من الصعب التعايش مع الفقر والاحتياج، لكن إن ظل الشخص ملتزما بالقيم الإنسانية والتربوية، سيجد حلا آخر غير التسول".
أعين غافلة
نصت الفصول من 326 إلى 333 من القانون الجنائي رقم 413-59-1 بتاريخ 20 نونبر 1962، الذي نظم المشرع المغربي فيه، جريمة التسول في الفرع الخامس للجنايات والجنح، حيث نص على معاقبة، مرتكب جريمة التسول، من سنة إلى ثلاث سنوات، لكل متسول، وكل متشرد، يوجد حاملا أسلحة أو مزودا بأدوات أو أشياء مما يستعمل لارتكاب جنايات أو جنح، طبقا لما جاء في الفصل 331 من القانون الجنائي، لكن كل ما نص عليه القانون لا يطبق بالضرورة على أرض الواقع.
في تصريح ناجم بوشعيب، محام بهيئة الدار البيضاء، لـ"SNRTnews"، يقول "لقد خصص المشرع المغربي، كل من المواد 326، 327، 328، من القانون الجنائي، تتضمن عقوبات حددها في فعل التسول. وبالعودة للمادة 326 التي تعاقب من شهر إلى ستة أشهر، فإنها تستهدف كانت له وسائل العيش، وكان بوسعه الحصول عليها بالعمل، أو بأية وسيلة مشروعة، ولكنه تعود ممارسة التسول في أي مكان كان".
ويضيف المتحدث نفسه "لإثبات جريمة التسول، يجب توفر العناصر التالية: فعل مادي وهو التسول، وأن يكون هناك خطأ فاعل، ثم النية الجرمية، فليس ممنوع أخذ الهبات التي تعطى له تلقائيا، لكن ليس بفرض نفسه على الناس، لذلك لإكمال الجريمة، يجب أن يكون الفاعل طلب صدقة".
ومن جهة أخرى، يشير المحامي إلى "أنه يتم متابعة الأغلبية في حالة سراح، لكن الشخص الذي يعاني من إعاقة ما، لا يمكن متابعته قانونيا بتهمة التسول، وهو نوع من تعاطف المشرع مع هذه الفئة؛ كون الظروف الصحية هي التي دفعته للتسول، ثم يأتي الفصل 327 الذي ينص هو الاخر، على أنه يعاقب بالحبس من ثلاث أشهر إلى سنة،على المتسول إذا أحاطت به ظروف تجعله، يشكل خطرا على النظام".
مقالات ذات صلة
مجتمع
نمط الحياة