مجتمع
تلقيح التلاميذ.. جمل ستسمعها مئات المرات
01/09/2021 - 16:36
يونس الخراشيفي ثانوية ابن زيدون، التي تقع بالقرب من مصلى عين الشق، بالدار البيضاء، بدأت عملية تنظيم المقبلين على اللقاح حوالي السابعة صباحا. الدليل على ذلك أن صاحب الرقم قال لمصطفى، الشاب الذي كان يشرف على عملية التسجيل: "ها هو الرقم، حصلت عليه في السابعة صباحا. ولكن المكلف قال لي إنكم ستواصلون إلى حدود الثالثة بعد الظهر، ولهذا ذهبت إلى عملي، ولم آت إلا الساعة (الواحدة بعد الظهر)".
ولمئات المرات ردد مصطفى، الذي كان يقبع تحت خيمة بيضاء صغيرة، على بعد خمسين مترا عن المدخل، الجواب نفسه، وبهدوء يستحق عليه جائزة نوبل، التي ستوزع شهر أكتوبر المقبل:"لقد حصر المسؤولون من وزارة الصحة عدد الملقحين في مائتي شخص فقط. فهم محكومون بعدد اللقاحات. لا يمكنهم أن يتجاوزوا العدد المتوفر لديهم. ونتيجة لذلك، فنحن الذين ننظم العملية، لا يمكننا أن نستجيب لما هو مهدد سلفا".
وما أن ينتهي، حتى تأتي سيدة، مرفقة بابنتها أو ولدها، فيصيخ السمع، ليعيد الجواب. "أرجوك، جئنا توا من مكان بعيد جدا. أريد تلقيح ابنتي". فيعيد الكلام نفسه، وبهدوء. وتتسمر الأم، المسكينة، عساها تسمع منه استدراكا. لكنه يقول لها، وهو يراها ما تزال مترددة في المضي إلى حال سبيلها:"سيدتي، ما عليك سوى أن تأتي في وقت مبكر من صباح الغد. ليس أمامك من خيار. يلا جيتي بكري تلقح بنت بكري، وتمشي فحالك بكري". ويبتسم، بينما الأم تمتعض، أو تبتسم ابتسامة أسف، وتنطلق بخطى متثاقلة.
كثيرون جاؤوا متأخرين عن وقت التسجيل الصباحي. قالوا الكلام نفسه، ثم اقتنعوا بالجواب الذي قدمه لهم مصطفى، وذهبوا. وكثيرون منهم أسفوا لما حدث، ليس فقط لأنهم جاؤوا متحمسين لكي يفوز أبناؤهم بالجرعة الأولى، ويعودوا إلى مؤسساتهم التعليمية حضوريا، ولكن أيضا، وهو الأهم، لأنهم، في الغالب، لا يجدون من ينوب عنهم، ولا يملكون وقتا. ومنهم من يشتغل في مكان بعيد. قال أحدهم، وبإلحاح: "أنا الوحيد الذي يمكنه مرافقة ابني. أنا أشتغل في الرباط، ونسكن بعيدا. لا يمكنني تركه وحيدا". كرر مصطفى الجواب نفسه، وظل صامتا، لعل صمته يكمل البقية.
الذين جاؤوا في الصباح الباكر، وحصلوا على تذكرة زرقاء صغيرة، عليها أرقام متسلسلة، لم يمر يومهم بسهولة. فقد احتاجوا، هم أيضا، إلى صبر عظيم. فاللقاح لم يصل إلا في حدود التاسعة والنصف. حينها كانت عملية التسجيل في اللوائح، بحضور الأب أو الأم، تمضي ببطء، فتفضي إلى عملية الانتظار الطويلة. وإلى حدود الثانية بعد الظهر سمع أحدهم يعلي الصوت: "144.. 144.. 144.. فين هو 144؟؟". ومسح المنتظرون الآخرون على جباههم، دليل قرب نفاذ صبرهم، فيما علا صراخ آخرين، ممن نفذ صبرهم تماما، ورأوا أن العملية كلها تمضي ببطء غير مقبول.
بشرى، المكلفة بإدارة العملية كلها، وهي سيدة في حدود الخمسين، كانت تتحرك بنشاط لساعات. ولطالما كررت، هي الأخرى، الجمل نفسها تقريبا، وهي تدعو المقبلين على التلقيح إلى التباعد. "الله يرحم الولدين، ماشي مشكلة الصف يخرج من الثانوية. كلشي اللي عندو التيكيتة غادي يدوز. غير الله يرضي عليكم تنظموا، وديرو التباعد". وما أن وصل مندوبو وزارة التعليم حتى وسعت لهم الطريق لكي يعاينوا المكان، واللوجيستيك، وكل الأشياء المتصلة بتنظيم العملية من الأف إلى الياء.
رئيس جمعية آباء وأولياء التلاميذ، عبد الرحيم، وهو أستاذ للتربية البدنية، قال إن الجمعية ساهمت بدور فعال في وضع كل ما يلزم لتنظيم العملية. والأطر الإدارية ساعدت بدورها. تحدث عن الثانوية بشغف كبير. وراح يمتدح شساعتها، وتوفرها على ملعب معشوشب كبير، يفترض أن يحتضن مباريات كثيرة، ويساهم في تريض التلاميذ في المنطقة.
"آش من لقاح كيديرو هنا أولدي؟". سؤال آخر تكرر مئات المرات طيلة الساعات التي اقتضاها انتظار التلاميذ، وأولياء أمورهم، للتلقيح. وكان يتعين على من ينظمون العملية أن يجيبوا بهدوء، ويكرروا الجواب، دون أن يشعروا من يجيبونهم بأنهم ملوا كثرة الرد على السؤال نفسه. "فايزر نعام سيدي.. فيازر نعام لالة".
التلاميذ، الذين بدا من أزيائهم وقصات الشعر، والهواتف المحمولة، أنهم بدأوا يكبرون بالفعل، وكان بودهم لو أنهم جاؤوا بمفردهم، وهم في هذه السن، كان بعضهم متخوفا، وغيره غير مبال تماما. فيتسلى المتخوف باللامبالي. وتتدلى الرؤوس تبعا للعيون المحدقة في الهواتف المحمولة، بين الفينة والأخرى، كلما تعاظم الشعور بالملل لطول فترة الانتظار.
أما حين انطلقت عملية التلقيح، وشرع البعض في المغادرة، فكان يبدو للباقين مثل من حصل على جائزة كبيرة لا تقدر بثمن، ويستحق أن يحسد على انتهائه من العملية، وتفرغه لأشياء أخرى أكثر أهمية الآن، بالنسبة إلى التلاميذ، وهم يعيشون الدقائق التسعين من العطلة الصيفية، فتأتيك : "سعداتك.. سعداتك.. تهلاي.. نتلاقاو".
ثم تسمع أحد الحارسين، وقد بقيا طيلة تلك الساعات يقفان بجانب البوابة الكبيرة، يستقبلان الناس، ويردان، هما أيضا على الأسئلة نفسها، التي تتكرر، "آسيدي راه تبارك الله الناس جاو بالكثرة.. من البارح.. ما عليك غير تصبر.. ارجع غدا إن شاء الله.. اللقاح ضروري.. كون ماشي ضروري كعما يكون هذا الزحام كله".
حوالي الثالثة بعد الظهر، بدت الخيام التي وضعت في باحة ثانوية ابن زيدون، لتقي المقبلين على التلقيح، وأولياء أمورهم، من لفحات الشمس الحارقة لشهر شتنبر، شبه فارغة. وبدت الثانوية بالفعل شاسعة، وجميلة، بتلك الأشجار هنا وهناك، والنخلات التي تقف بجانب أقسام الدرس، وعلى حافتي الإدارة. كان العدد الأكبر قد تلقى الحقنة الأولى، وحصل على بطاقة صغيرة تؤكد ذلك، وانطلق إلى حال سبيله، في انتظار موعد الحقنة الثانية.
وصلت سيدة في تلك الأثناء، فوجدت أخرى تمضي، وحين سألتها، قالت الأخيرة:"غدا إن شاء الله مع الصباح بكري. جيبي معك كود مسار ديال بنتك، ولاكارط ناسيونال، باش تسيني على الموافقة. خذي التيكيتة فيها رقمك، وتسناي تسجلي بنتك. ومنين تجي نوبتها يلقحوها، ونبينا عليه السلام. هذا ما كان. خليت ليك الراحة هذا الساعة"...
مقالات ذات صلة
مجتمع
مجتمع
مجتمع