مجتمع
توحد الأطفال.. معاناة في صمت
26/11/2020 - 12:38
مريم الجابريغياب الوعي بخصوص طريقة التعامل مع الطفل الذي يعاني التوحد، يعقد أمور أولياء الأمور، مما يأجج الوضع داخل الأسرة، حيث ساهم انتشار الوباء، في تأزيم الأوضاع أكثر. فمع ما فرضته الجائحة، أصبح خروج هذه الفئة من الأطفال قليلا، وبحكم أنهم لا يتفاعلون، لم يستفيدوا من التعليم عن بعد.
شهادات حية
"نجاة"، 36 سنة، تحكي لـ"SNRTnews"، معانتها مع طفلها المتوحد، وبحرقة بالغة تقول: "لؤي ابني الوحيد، يبلغ من العمر 7 سنوات، لحدود الساعة لا يتكلم. وما يحزنني أنه لا يستطيع التعبير عما يريده". وما يجعل وضع "لؤي" صعبا هو أكله للزبالة، وهو ما تعانيه أمه معه يوميا؛ "أي شيء يجده أمامه يأكله، حتى التراب والحصى، أحاول أن أمنعه بضربه".
ومن جهة أخرى، تقول "نعيمة"، 40 سنة، أم لأربعة أطفال، الصغير فيهم يعاني من مرض التوحد، وبصوت ينم عن قلة الحيلة تقول: "أرى أقران ابني يلعبون ويمرحون، وهو دائما وحيد، وكل يوم يفاجئني بتعامل جديد. مرات يصرخ ومرات يبكي، وأحيانا كثيرة يحاول ضربي. أخذته لطبيب مختص لكنه طلب مني مواكبة حصص التدريب على النطق والحركة، تكاليفها جد غالية علي".
وبملامح حزينة منهكة، تعبر "بهيجة"، 38 سنة، عاملة نظافة بالدار البيضاء، لـ"SNRTnews"، عن ظروفها المزرية، وتخلي زوجها عنها، بعد معرفته أن طفلهما يعاني من التوحد. تقول: "تكلف لي أحد المحسنين بمصاريف المركز العلاجي لابني، ومع ذلك أعاني من مصاريفه، حيث أن متطلباته كثيرة، وأحيانا كثيرة يهرب لي بلا ملابس". وتضيف بندم وخجل شديدين "بعد تخلي المحسن عني، تأجج الوضع عندي، وتركت ابني في الشارع متخلية عنه، لسوء ظروفي!".
صرخة مربيين
تقول ثوريا مبروك، رئيسة جمعية "أمل للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة الذهنية": "جمعيتنا تعنى بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة الذهنية، والتوحديين بغية إدماجهم في المجتمع، وتضم 350 طفلا من ذوي الاحتياجات الخاصة من أسر معوزة، ونعمل على تسخير جميع الوسائل والامكانيات المادية المعنوية المتاحة، مع عقد شراكات مع العديد من المنظمات والهيئات والمؤسسات ذات الأهداف المشتركة معنا".
وتوضح مبروك "نطمح إلى الوصول للطرق الحديثة الكفيلة بتطوير الأنشطة والبرامج التي ننجزها مع أطفال التوحد، وذوي الاحتياجات الخاصة، التي نمارسها في فضاءات ملائمة لهم، تحت رعاية ومواكبة مربيات ومرشدات، وأطر تربوية وأخصائيين وأطباء أكفاء. أملنا الوحيد هو شفاء وإدماج هؤلاء الأطفال في الوسط الاجتماعي".
في تصريح لـ"رقية"، إحدى المربيات بجمعية "أمل" تقول لـ"SNRTnews"، "الطفل التوحدي عنيد، ويحب أن يفرض رأيه. هذا المشكل الأساسي لدى أولياء الأمور، مما يجعل التعامل مع أبنائهم جد صعب. نحن نشتغل على مشروع بيداغوجي كل سنة، مع أطفال يعانون من إعاقات مختلفة مصحوبة باضطرابات سلوكية وحركية، وصعوبة في النطق".
وتضيف "هدف مشروعنا هو التقليص من الاضطرابات الحركية، باعتمادنا على الجانب النفسي، مع أخصائيين نفسانيين وحصص الترويض على النطق والحركة. ونحاول تشخيص حالة الطفل التوحدي وتقييم قدراته المعرفية والحركية، حتى تتسنى لنا معرفة الطريقة التي سنتعامل بها معه، لإخراجهم من الوحدة والعزلة التي يعيشون فيها، والتفتح على العالم الخارجي ".
وفي ما يخص التعليم عن بعد، تقول "غزلان"، مدرسة بجمعية "أمل"، "نحن كمدرسين في هذه المؤسسة حضرنا فيديوهات، لكن للأسف لم نلق تعاونا من طرف الآباء، لصعوبة التعامل مع أطفالهم، مما جعل الأمر جد صعب، خصوصا أنهم يعانون من تأخر ذهني، مما يجعل تتبعهم للفيديو وفهمه أمر جد صعب".
آراء أخصائيين
في تصريح لـ"SNRTnews"، يقول محمد البرودي، أخصائي في العلاج النفسي، "إن التوحد لا يصنف ضمن الأمراض، فهو اضطراب نمائي على مستوى السلوك، بمعنى تواجد تأخر على مستوى النمو العقلي والحركي، لهذا يجب التمييز بين أنواع التوحد التي تختلف من شخص لآخر. فهناك إشكال في تشخيص حالات اضطراب طيف التوحد، مع عدم توفر اختصاصيين كافيين، في الطب النفسي للأطفال، والترويض، ومربيين في التربية الخاصة".
يضيف البرودي "لا يوجد علاج فعال للتوحد حتى في أكبر الدول، وذلك راجع بالأساس إلى عدم معرفة السبب الحقيقي وراء هذا الاضطراب، الذي لا يتم تشخيصه في السنة الأولى أو الثانية، وهناك حالات عديدة يعتمدون فيها العلاج بالأدوية، بالنسبة للأطفال الذين تكون حالتهم صعبة، وبالتالي يصعب على أسرهم التعامل معهم".
ويشير الأخصائي النفسي إلى أن "أن أطفال التوحد تواجههم صعوبات كثيرة في الولوج للتعليم، سواء في القطاع العام أو الخاص، لأن الطفل التوحدي لديه مشاكل كثيرة على مستوى النطق والتواصل والتفاعل، رغم صدور مذكرة وزارية في 30 أبريل 2015، والتي نصت على إلزامية ولوج أطفال التوحد للدراسة مع الأطفال الطبيعيين، شرط أن يكون الطفل حاصلا على الملف الطبي، ومستفيدا من مواكبة طبية،, أما خلال فترة الحجر الصحي، فلم يستفد أصحاب التوحد من التعليم عن بعد، إلا قلة قليلة، بسبب عدم إخضاع الأطر التربوية لدورات تكوينية، لمعرفة طريقة التعامل مع أطفال التوحد عن بعد خلال تلك الفترة".
ويحذر البرودي من ولوج أطفال التوحد إلى الأقسام المدمجة، التي يتم فيها خلط أطفال التوحد مع الإعاقة الذهنية والبصرية، وأطفال الاحتياجات الخاصة، مما يؤجج الوضعية العلاجية لديهم، مؤكدا على ضرورة إدماج الطفل التوحد داخل أقسام تلاميذ طبيعيين، مشيرا إلى أنه واكب حالات تعاني من التوحد، وعرفت تحسنا كبيرا، على مستوى التواصل والتعليم، ومنهم من تجاوز الباكالوريا.
ويوصى الطبيب النفسي بضرورة "تقريب مواعيد العلاج مع الأخصائيين، في الترويض والطب النفسي، وتكثيف الحصص بشكل كبير، عن طريق إشراك الأسر في البرامج التي يمكنهم الاشتغال عليها مع الطفل، لإكمال ما يبدأه الأخصائي، كالبرنامج المعرف بـ'ABA'، وهناك طرق وأساليب، كورشات للرسم والموسيقى، التي نحاول من خلالها تحسين نفسيته، بالإضافة إلى تكاثف الجهود مع الأخصائيين وأولياء الأمور".
مقالات ذات صلة
مجتمع