مجتمع
للا تاجة .. الضحية راعية الطفولة المقصية
19/06/2021 - 19:51
وئام فراجللا تاجة، إحدى الشخصيات البارزة في تاريخ مدينة الدار البيضاء، كُتب في حقها أنه "سيأتي يوم يقوم فيه حي المدينة القديمة بتكريم شخصية للا تاجة كما يجب"، نظرا لعدم حصولها على التقدير الذي كانت تستحقه بعد المساعدات التي قدمتها لأطفال الحي.
يحكى عن قصة ضريح "للا تاجة" أنه يعود إلى امرأة من أصل تطواني، حلت بمدينة الدار البيضاء في أواخر القرن الـ19م واستقرت بالمدينة القديمة في بيت صغير، في زاوية بزقاق ضيق، قرب القنصلية البلجيكية.
تميزت لالة تاجة بطيبوبتها وشجاعتها، واهتمامها بعدد كبير من الأطفال المتخلى عنهم، والذين كانت توفر لهم المأوى داخل منزلها، وكانت، بحسب ما ورد في كتاب "شعائر وأسرار أضرحة الدار البيضاء" للباحث مصطفى أخميس، تتخذ من هؤلاء الأطفال أبناء لها، فتقضي ساعات في مطبخها الصغير تعد لهم الوجبات الغذائية، التي تعتمد بشكل أساسي على السمك، وذلك بحكم قربها من ميناء الدار البيضاء، كما كانت تتوصل بكميات يومية من السمك كتبرعات من بعض الصيادين الذين أبدوا تعاطفهم معها.
علاقة إنسانية دمرت حياة تاجة
ظلت للا تاجة تمد يد المساعدة إلى المحتاجين إلى أن لفتت انتباه أحد الموظفين بالقنصلية البلجيكية الذي رأى فيها امرأة استثنائية، ووقف على التضحيات التي تقوم بها من أجل رعاية الأطفال المحرومين الذين كانت توفر لهم المسكن والملبس والطعام، وتمنحهم دفء الأسرة الذي حرموا منه، "فأدرك الدبلوماسي البلجيكي حجم تلك التضحيات وثقل الأعباء التي تمثلها إعالة عدد كبير من الأطفال، فتقدم إليها عارضا المساعدة في هذا العمل الخيري، ولم تر لالة تاجة مانعا، بحكم أن هذه المساعدات تصب في صالح الأطفال".
هذا التعاون بين للا تاجة والدبلوماسي البلجيكي أو القنصل البلجيكي، حسب تعدد الروايات، بقدر ما عاد بالنفع على الأطفال تسبب لها في مضايقات من طرف سكان الحي، حيث أصبح تردد موظف القنصلية على بيت تاجة والمدة التي يقضيها فيه مثار شك وقلق لدى السكان.
وزادت الشكوك لتصل إلى اتهامها بنسج علاقة غرامية مع أجنبي تعرضت جراءها لمجموعة من المضايقات وصلت حد رجمها بالحجر.
تقول الروايات إن لالة تاجة توجهت بعد ذلك إلى قنصلية بلجيكا، من أجل الحصول على الحماية وإنقاذها من اعتداءات رجال الحي، فاقترح عليها موظف القنصلية الاستفادة من الحصانة الدبلوماسية، ليتولى بعد ذلك سكان الحي تدبير منزلها إلى أن أغلق.
وتدخلت بالفعل القنصلية لتوفير الحماية للا تاجة، فبدأت مع مرور الوقت تكتسي ثقة نساء الحي اللواتي أصبحن يعارضن أزواجهن ويثقن في طهارة وبراءة للا تاجة، حيث أصبحن يقدمن الدعم المعنوي والمادي لها.
ورغم ذلك، يبرز أخميس خلال حديثه عن ضريح للا تاجة، أن هذه السيدة الإنسانية تحولت من فاعلة خير إلى "فاعلة شر" لدى رجال المنطقة الذين طالبوا القنصلية بتسليمهم إياها، معتبرين أن "لجوءها السياسي" هذا تأكيد لما يتداوله الناس حول علاقتها الغرامية بالدبلوماسي البلجيكي.
وقد كان هذا الموقف، بحسب أخميس، سببا في تعاسة للا تاجة التي عاشت آخر أيامها حزينة محاصرة في غرفة داخل القنصلية، قبل أن تلزم الفراش ويتآكل قوامها وتموت في ربيع بداية القرن العشرين.
وفي رواية أخرى، استمر رجم للا تاجة إلى أن فارقت الحياة متأثرة بجروحها، دون أن تستطيع إظهار براءتها للمجتمع، كما زادت هذه القسوة، وفق أخميس، "بعدما رفض سكان الحي دفنها في مقبرة المسلمين، فتدخلت النسوة ليلتمسن من القنصل البلجيكي دفنها في قطعة أرضية تعود ملكيتها إلى القنصلية، وهو الأمر الذي لم يتأخر في تلبيته القنصل".
فيما تقول رواية ثانية إنها دفنت في الضريح الذي يحمل اسمها، "ليصبح هذا الضريح في ما بعد مزارا تتجمّع فيه النسوة للبكاء على نكبتها والترحم عليها"، يقول أخميس.
معلمة ظلمها المجتمع وأهملها التاريخ
يعتبر سكان المدينة القديمة، ممن سألهم SNRTnews عن قصة لالة تاجة، هذا الضريح معلمة مهمة من معالم الدار البيضاء، لكن بصفته يعود لامرأة فلم يحظ بالمكانة التي يستحقها ولا القيمة التاريخية التي حظيت بها أضرحة أخرى من قبيل ضريح سيدي بليوط.
كما اعتبر أحد شباب الحي، مهتم بالتاريخ، أن لالة تاجة لعبت دورا كبيرا في رعاية أطفال المدينة القديمة بالدار البيضاء، من خلال المساعدات التي كانت تقدمها لهم، مبرزا أن السبب الرئيسي وراء وفاتها مازال مبهما، نظرا لتوارث الروايات عن طريق السمع فقط.
وأوضح المتحدث ذاته أن كل شخص يروي قصة للا تاجة من زاويته الخاصة، ما يجعل الرواية الحقيقية تضيع بين كثرة الألسنة، مضيفا أن من بين الروايات غير المتداولة أنها تزوجت بالدبلوماسي البلجيكي، وتم دفنها في وقت متأخر من الليل، بعيدا عن أنظار رجال الحي.
زنقة للا تاجة
عرفانا من سلطات مدينة الدار البيضاء بتاريخ هذه السيدة، تمت تسمية إحدى أزقة المدينة على اسم للا تاجة أو درب العميين بالمحج الملكي بالمدينة القديمة، نظرا للأثر الإيجابي الذي تركته في نفوس البيضاويين، بفضل عنايتها باليتامى والمشردين وسهرها على إطعامهم ومنحهم إحساس الأمومة.
وقد ارتأت السلطات أن تطلق على هذا الدرب اسم "للا تاجة" لتبقى قصتها راسخة في أذهان البيضاويين خصوصا والمغاربة عموما، في انتظار أن "يأتي يوم يقوم فيه سكان حي المدينة القديمة بتكريم شخصية للا تاجة كما يجب".
مقالات ذات صلة
مجتمع
سياسة
مجتمع