مجتمع
"النوموفوبيا".. الخوف من فقدان الهاتف
08/12/2020 - 16:36
مريم الجابري | مريم الجابرياعتبرت الدكتورة زبيدة بن مامون، مستشارة ومدربة محترفة في التسيير وتطوير القدرات في المعالجة النفسية بالدار البيضاء، أن استعمال الهواتف بوتيرة كبيرة يعد تعلقا سلوكيا، من شخص لآخر، حيث هناك أفراد يتحكمون في سلوكياتهم ويتمتعون بشخصية متزنة وقوية، وهناك العكس، الذين من الممكن أن يهربوا من مشاكلهم ويبحثون عن المتعة في مواقع التواصل الاجتماعي عبر الهواتف مما يؤدي بهم إلى ما يسمى بـ"نوموفوبيا".
"نوموفوبيا"
"النوموفوبيا" عبارة عن خوف مرضي وقلق يصيب الشخص لمجرد تفكيره بأن هاتفه خلص شحنه أو أصبح خارج تغطية شبكة الإنترنيت أو تم نسيانه أو فقدانه في مكان ما. وحسب دراسة أجرتها شركة "سكيوريتي انفوي"، المتخصصة في الخدمات الأمنية على الأجهزة المحمولة، فإن معدلات الإصابة بـ"النوموفوبيا" ترتفع بشكل كبير، بين فئة الشباب، حيث أكد 77 في المئة منهم، أنه لا يمكنهم التواجد بعيدا عن هواتفهم لثوان قليلة، مما يدق ناقوس الخطر.
وأردفت الأخصائية النفسية أن "الإدمان على الهواتف، له ضرر كبير على الدماغ البشري، لأن الموجات المنبعثة من الهواتف تشكل تأثيرا خطيرا على الدماغ، فالسيالات العصبية تتدمر ولا تبقى في اتصال بعملية النمو، مما يعطل عملها".
وأوصت مدربة التسيير وتطوير القدرات في المعالجة النفسية، بتغيير التعلقات بالهواتف إلى الشغف بالكتب والقراءة، لمحاولة تحقيق توازن في الحياة، مع عدم إنكار إيجابيات الهواتف الذكية، في تقريب عملية التواصل بين العائلات، ومساعدة فئة كبيرة في تطوير مبيعاتها وتحسين مداخيلها، مع الإشارة إلى الفئة التي تمرر رسائل ثقافية وتوعوية مهمة، لذا يمكن استغلال الهاتف في أشياء إيجابية تخدم العقل البشري وشخصية الفرد، بدلا من الارتباط به إلى حد الإدمان.
الإدمان السلوكي
في السياق ذاته، يعتبر رضى أمحاسني، أخصائي في علم النفس، وأستاذ في علم النفس بالجامعة الدولية بالدار البيضاء، أن الإفراط في استخدام الهواتف هو إدمان سلوكي، يصيب صاحبه بنوبة من الهلع والقلق الحاد إن خلص شحن هاتفه، أو أتلف شيئا ما فيه، أو سرق منه.
ويؤكد أمحاسني أن هناك تعدد في عوامل الإصابة بالإدمان على الهواتف؛ أهمها البنية النفسية للشخص التي تبحث على نوع من المتعة المعينة، أو نوع من الترفيه عن طريق الهاتف أو المادة التي يدمن عليها سواء كان حاسوبا أو هاتفا أو لوحا إلكترونيا، الأمر الذي يربطه بعالم افتراضي، يجد فيه الضالة التي لا توجد في العالم الواقعي.
وفي السياق نفسه، تقول الدكتورة بن مامون "يمكن معالجة هذا السلوك، عن طريق تعويضه بأنشطة أخرى، التي عن طريقها يجد الشخص متعة ولكن بطريقة عقلانية، ويمكن الحد منه كذلك عن طريق التقليص من عدد التطبيقات في الهواتف، واستبدالها بالكتب للخروج شيئا فشيئا من التعلق بها".
وتشير المتحدثة ذاتها إلى أن العلاج المعرفي السلوكي يمكنه أن يساعد في مجموعة من الاضطرابات النفسية، كالإدمان والهلع والقلق، الذي يتم الاشتغال فيه على الأحاسيس وعلى السيرورة الذهنية، التي تعتبر سلوكية ومعرفية، سواء كانت واعية أو غير واعية، وهي المسؤول الرئيسي في عدم التوازن السلوكي لدى الأشخاص.
ويحذر الأخصائي في علم النفس من اختلال التوازن النفسي الذي يسببه الإدمان على الهواتف، سواء على المستوى العائلي، العلائقي، الزوجي، المجتمعي، وكذا على المستوى المهني، والدراسي، مما يقلل من الحوار داخل العائلة.
ويضيف المتحدث نفسه "يتم عن طريق التصفح المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي، نوع من المقارنة مع المؤثرين في الفضاء الافتراضي، الأمر الذي يخلق مجموعة من المشاكل بين الزوجين، مما يؤدي إلى إحباط وإرهاق داخل العلاقة، يفقد أحد الطرفين ثقته في ذاته، ويؤثر بشكل مباشر على العلاقات الجنسية، وبالتالي تقل مردوديته على المستوى الأسري والمهني.
الوقاية خير من العلاج
وليس ببعيد عن التعلق بالهواتف الذكية، يعزي محمد البرودي، أخصائي في العلاج النفسي وطب الإدمان بسلا، أسباب الإدمان إلى مشكل الفراغ، وعدم تنظيم الوقت، وضعف الرقابة الأسرية، وأحيانا كثيرة يكون انعدام الرقابة الذاتية، مما يؤدي إلى مجموعة من الأضرار على مستوى الصحة النفسية، العقلية، الجسمية والسلوكية، التي تظهر جلية عن طريق ارتعاشات في اليد والرجلين، وقلق نفسي، وانطواء، وعزلة، ومن الممكن أن يصل الأمر إلى اكتئاب حاد.
ويوصي البرودي بضرورة الوقاية والتحسيس، منذ البداية، لكيلا يتفاقم الوضع، خصوصا لدى الأطفال، مع تحديد ساعات استخدام الهواتف، وتنظيم دورات تكوينية مع الآباء والأساتذة والأطفال، لتحسيسهم بالخطورة التي تشكلها الاستعمالات المفرطة للهواتف الذكية.
ويوضح المتحدث ذاته أن العلاج المعرفي السلوكي (TCC)، هو معروف بشكل كبير، ويختلف من حالة لحالة، لأن الإدمان تتفاوت ساعاته من شخص لآخر، الأمر الذي يتطلب حصصا متتابعة، ومنتظمة، بالإضافة إلى الأدوات التقنية التي تساعد على ذلك.
وتؤكد بن مامون على أن حصص العلاج النفسية السلوكية من شأنها أن تساعد الشخص على تجاوز هذا المشكل، الذي يؤرق العديد ولا يستطيعون التخلص منه، مما يخلق لديهم احتياجا ضروريا، خصوصا لمن يعانون من "فوبيا اجتماعية"، فيجدون أسهل طريقة للتواصل هي الهواتف، مما يجعلهم أكثر ارتباطا به، الأمر الذي يخلق خوفا كبيرا لديهم من فقدان هواتفهم.
ويشير الأخصائي في العلاج النفسي إلى أن الاستهلاك المفرط في استخدام الهواتف قد يصل، في حالات كثيرة، إلى إدمان، من المحتم أن يؤدي إلى اضطرابات نفسية معرفية، تتمثل في قلة التركيز والإدراك، على مستوى الذاكرة، مما يؤثر على الوظائف المعرفية.
ويشدد أمحاسني على ضرورة التخلص، وبشكل تدريجي، من الارتباط بالهواتف الذكية، وأن يعمل أولياء الأمور على مراقبة أبنائهم، لكيلا يصبح الشخص عرضة للإفراط في استعمال الهاتف، الذي يتطور، مع مرور الوقت، إلى إدمان، خصوصا أن هناك دراسات أولية تشير إلى أن الأشخاص بين 18 و25 يشكلون أرضية هشة للإصابة بهذا النوع من الإدمان.
مقالات ذات صلة
مجتمع
مجتمع