مجتمع
عندما يقابل وفاء السلوقي بالتهجين
31/08/2021 - 12:13
مصطفى أزوكاح"لقد هدني حال السلوقي بالمغرب". لا تحتاج لسؤال محمد سوجاع، مربي تلك الفصيلة من الكلاب عن حاله، فما أن تبادره بالكلام، حتى يخوض في حديث طويل عن الهواجس التي تسكنه منذ سنوات عن حال ومآل السلوقي المغربي.
وفاء أصيل
ليس محمد سوجاع، عضو الجامعة الملكية المغربية للصيد التقليدي البري، وحده من يرق لحال السلوقي بالمغرب، فعندما تسأل المدافعين عن تلك الفصيلة من الكلاب، لا يحدثونك للوهلة الأولى عن تاريخه وملازمته للإنسان منذ القدم في حله وترحاله، بل يسوقون أمامك صور وفاء تميزه إلي درجة بذل حياته في سبيل صاحبه.
لا يكف محمد سوجاع، عن سرد قصة "ك. مليود"، المغربي الثري، الذي أسلم الروح، فتمكن الحزن من كلبيه السلوقيين إلى أن أسلما روحيهما بعده. دفن الفقيد وعادت الحياة في القبيلة إلى طبيعتها، غير أن السلوقيين اللذين كان يملكهما، بقيا قرب القبر، يدفعا عنه الماشية التي تبحث عن الحشائش بين القبور.
أثار ذلك انتباه أبناء القبيلة، الذين رقوا لحال الكلبين، ودأبوا على إطعامهما، غير أن مشاغل الحياة صرفتهم عنهما، فلم يعودوا يهتمون لحالهما إلى أن ضمرا وخارت قواهما كي يعثر عليهما، في أحد الأيام، وقد أسلما الروح.
يشعر سوجاع بالكثير من العرفان للسلوقي الذي يقول عنه إنه الأكثر وفاء، إلى درجة أنه إذا باغثه الموت صاحبه، يحرسه خوفا من العبث بجثته من قبل الحيوانات الضارية، يبدي استعدادا خارقا للدفاع عن صاحبه، غير أن سجاع يؤكد أن السلوقي الوفي يواجه بالكثير من الجحود في المغرب.
خطر التهجين
هرع مغاربة وأجانب في الأعوام الأخيرة من أجل إنقاذ السلوقي المغربي، من جشع من يسعون لخدش صفائه وأصالته، بسبب التهجين (Croisement) الذي يتعرض له، خاصة عبر فصيلة الكلب الإسباني المعروف بـ"كالغو" (Calgo) الذي أضحى حضوره في الصيد البري يمثل حوالي 75 في المائة، حسب ما يؤكده سوجاع.
يشدد على أن هناك العديد من الأشخاص المسكونين بهاجس الربح السريع والسهل، يسعون للترويج للكلب الإسباني، ولا يكتفون بذلك، بل يعمدون إلى التهجين، الذي يعصف بصفاء سلالة السلوقي المغربي، إلى درجة تقلص عدد السلاقي في 600 حسب تقديراته.
هذا يدفعه بمعية آخرين إلى التشديد على ضرورة تفادي التهجين الذي يراد منه زيادة سرعة الكلاب التي تعقب الطرائد عند الصيد البري، معتبرين أن ذلك يمس بأخلاقيات الصيد، التي استبطنها السلوقي جيدا، حيث يتعامل مع الطرائد بالكثير من "اللباقة والشرف".
لا ينشغل من يشعرون بالوفاء للسلوقي المغربي بالتهجين فقط، بل إن محبي ذلك الصنف من الكلاب، الذين كانوا قد انتظموا في المركز الوطني للحفاظ وحماية السلوقي المغربي، يسعون إلي إنقاذ الجراء التي تتعرض لأمراض يمكن أن تنتقل إلى الأب أو الأم. أمراض كثيرة تهجم عليه تكالبت عليه مع مرض الجشع الذي يذكي التهجين.
ميثاق عبر التاريخ
كان السلوقي أقدم رفيق للإنسان، فقد كان مع الفرس مؤشرا على نبل ورفعة مقامه بين الناس، الذين أحاطوا ذلك الحيوان بالكثير من الاحترام وخلعوا عليه صفات الشجاعة والوفاء والأصالة.
لقد اعتبره البدو "هبة من الله"، لما لمسوا فيه من قدرة على تسهيل أمور حياتهم. فهم يعترفون له مثلا بأنه نعم الرفيق للقوافل، إذ له تعود مهمة تأمين المأكل لهم عبر الصيد في الصحاري التي يعبرونها في الشتاء والصيف.
له قدرة خارقة على تعقب الطرائد، ينهكها بسرعته وبقفزاته الأنيقة، قبل أن تستسلم. تلك قدرات تجعله مطلوبا من قبل الصيادين الذين خبروه. لكنهم لا يؤخذون فقط بـ"الصياد" فيه، بل تثيرهم نظافته مادام يتفادى الجلوس على الأرض أو شرب المياه القذرة، وحرصه على عدم قضاء حاجته في المنازل.
وثق فيه الإنسان، فبادله وفاء بوفاء. ذلك ميثاق غير مكتوب رسخ منذ 8 آلاف عام، عكسته رسومات خلفها الفراعنة والمباني السومرية والهياكل الآشورية. ذلك تاريخ أثار اهتمام علماء الحفريات، الذي اكتشفوا لوحه طينية للسلوقي بشمال العرف. لوحة تعود لما بين 4 و5 آلاف عام قبل الميلاد، بل إنهم عثروا على جمجمة تحيل عليه يعود تاريخها إلى 4 آلاف عام قبل الميلاد.
تفكيك الشيفرة
أثار السلوقي اهتمام عالم الاجتماع المغربي الراحل بول باسكون، الذي سعى، برفقة زوجته، إلى تحديد الخصائص المميزة له. ذلك هدف قادهما إلى القيام بعملية مسح بالمنطقة الممتدة بين آسفي وسوس.
يبدو السلوقي من بعيد على شكل مربع، أذنه متدلية، بينما تتجلى عند "الكالغو" الإسباني على شكل وردة. يميل وجهه للسواد. لا يتجاوز عرضه سبعين سنتمترا، متوسط الطول، يذكر لونه بالرمال، غير أن لون البطن يحيل على الغزال أو النمر.
يؤكد سوجاع أنه تم، العام ما قبل الماضي، اللجوء، من قبل مغاربة وأجانب، إلى إطلاق مبادرة من أجل تحديد الخصائص الجينية للسلوقي المغربي، من أجل الحفاظ على صفاء أصله، الذي قد يلتبس على المهتمين بهذه الفصيلة، بسبب زحف التهجين.
تلك مبادرة شاركت فيها الجمعية المركزية للكلاب بالمغرب وجمعية أمريكية منشغلة بالسلوقي، وهي مبادرة قادت مطلقيها إلى عدد من المناطق التي تحتضن تلك الفصيلة، حيث تجلى، حسب سوجاع، أن إنقاذ السلوقي يحتاج الكثير من الجهد الهادف إلى رد الجميل لذلك الكلب الذي سارت الركبان بذكر صور وفائه للإنسان.
مقالات ذات صلة
نمط الحياة
اقتصاد
مجتمع