نمط الحياة
الأسماك.. وفرة المنتوج وقلة الاستهلاك
22/04/2021 - 00:38
يونس الخراشييقول محمد حبيدة، في كتابه "المغرب النباتي"، وهو يتحدث عن علاقة المغاربة، ما قبل الاستعمار، بأكل لحوم الأسماك: "يستحق السمك أيضا بعض الملاحظات"، ثم يطرح عدة أسئلة: "ما هي مكانته في النظام الغذائي؟ ماذا يمثل بالنسبة إلى الناس في البادية والمدينة؟ كيف يظهر في التناول المطبخي؟"، ويبدأ بالرد، فيقول: "هذه أسئلة صعبة بسبب شح المصادر"، ثم يتساءل مجددا: "أفلا يكون الشح الوثائقي نتيجة لهامشية السمك في النظام الغذائي؟"، ويوضح: "كتب النوازل مثلا، مرآة المجتمع بامتياز، لا تتحدث إلا نادرا عن المسائل المرتبطة بصيد السمك واستهلاكه".
في سياق متصل، يقول الباحث: "كتب الحسن الوزان: "توجد بالقرن من الجبل الأخضر بحيرة في غاية الجمال، كبيرة كبحيرة بولصينا في الأرض البابوية، فيها كمية عظيمة من الأسماك كالنون (الأنقليس)، والبرعان الأحمر، والبوري (الزنجور)، وغيرها من الأسماك التي لم أرها قط في إيطاليا، وكلها في تمام الجودة، غير أن لا أحد يصطاد في هذه البحيرة"، فهل كان المغاربة يجهلون السمك، كما تدعي إخبارية برتغالية من القرن الخامس عشر؟ هل استفاد منه الأوروبيون فقط، كما تشير إلى ذلك بعض المصادر؟ أم أن المشكلة تجد تفسيرها في العقليات، كما توحي بذلك بعض النصوص التي تتحدث عن اعتقاد بعض الفقهاء كون أن أكل السمك يورث الغباء".
هنا يتوقف الباحث محمد حبيدة، في كتابه المغرب النباتي"، ليبدأ التحليل، فيقول: "مهما يكن من أمر، فيجب التمييز بين المدينة والبادية، بين البحر والنهر، والأخذ بعين الاعتبار أثر العادات الغذائية. كشف جيرار رولف، في رحلته إلى المغرب عام 1861-1862 عن واقع أساسي، عندما يقول:"جميع الأودية والأنهار في المغرب غنية بالسمك، لكنها لا تزود موائد سكان المدن، أما أعراب السهل فلا يأكلونه". هل لأن السمك يفسد بسرعة؟ هذا ممكن. لكن الملح الذي يستعمل في حفظ اللحم كان من شأنه أن يحفظ السمك أيضا. ربما يجد هذا الأمر تفسيره في الذوق، لأن استهلاك السمك في المدينة كان يمر عبر عملية تطويع حتى يستجيب للقواعد المطبخية المعمول بها هناك".
أما عن الوفرة، فحدث ولا حرج. يقول الباحث:"يشهد الإخباريون، منذ القرن الثاني عشر، كأصحاب الاستبصار، وزهرة الآس، وروض القرطاس، أن نهر سبو كان يعج بأنواع السمك التي تزود أسواق فاس بوفرة. نفس الشيء يحكيه الحسن الوزان في القرن السادس عشر. وعلى السواحل كان الصيد نشيطا، على النحو الذي تؤكده مدينة سبتة في العصر الوسيط. في هذا الصدد، يخبرنا الشريف الإدريسي، في نزهة المشتاق، أن المدينة كانت تتوفر في القرن الثاني عشر على "مصايد للحوت... يصاد بها من السمك نحو مائة نوع، ويصاد بها من السمك المسمى التن الكبير الكثير". لكن الأمور كانت قد تبدلت في القرن الخامس عشر، عندما وقعت سبتة تحت الاحتلال البرتغالي سنة 1415. وفي واقع الأمر، شكل هذا الحدث منعطفا في تاريخ المغرب، إذ وجد المغارب أنفسهم في وضعية دفاعية. فكانت النتيجة أن تحول الصيد في البحر الأبيض المتوسط إلى مجرد نشاط معاشي بالنسبة إلى أهالي القصر الصغير وترغة وبادس، إذ اكتفوا بصيد السردين وتمليحه والاقتتات به أو بيعه في الأماكن المجاورة. وعلى ساحل الأطلنتي أيضا، خاصة في سوس، كان بعض الناس يصطادون السمك بطرق بدائية لتلبية حاجياتهم الغذائية".
مقالات ذات صلة
نمط الحياة
نمط الحياة
نمط الحياة